كنت بصدد دخول صالة رجال الأعمال بمطار بنجالور الهندية عائدة إلى عُمان، وعقلي يستعد للحوار الذي سيحدث بيني وزوجي الذي كان متشددا جدا في نصائحه هذه المرة بالذات، رغم كوني تعودت على السفر بمفردي، ولم أتعود منه هذا القلق بشأن سفري، أمر يرد عليه دائما بعبارة: لكنك لم تسافري إلى الهند! حتى أنه أصر على شراء أقفال لحقيبة السفر التي سآخذها معي، خوفا من أن يحاول أحدهم دس شيء ما في حقيبتي دون معرفتي، وانصعت لكل هذه الطقوس الغريبة التي لم أعهدها منه، لكنني حدثت نفسي بأنه خبير بالشأن الهندي شأنه شأن أبناء الخليج ممن لا تمر سنة دون تبادل زيارتهم مع القاهرة – هذا طبعا قبل اكتشاف تايلند وماليزيا – لكن رحلتي للهند كانت ناجحة جدا، ولمفاجأتي الشديدة استمتعت بها جدا جدا، وتسوقت كثيرا أنا التي لا أطيق التسوق، ومرت الزيارة بأفضل مما توقعت، وسارت أموري في المطار بشكل سلس جدا أيضا حتى تلك اللحظة، التي وجدت فيها شرطة المطار تحيطني من كل صوب ومعهم مجموعة أخرى من البشر الذين كنت أحاول تذكر ملامحهم لأنه خيل إليّ بأنني سبقت لي رؤيتهم، وقد أخذوني على غرة وهم يطالبون بتفتيشي، وينزعون حقيبة يدي ليقلبوا في محتوياتها، وهم يتحدثون إلى بعضهم بعضا بلغة لم أفهمها، ولم أعط طبعا فرصة للاستفسار عما كانوا يبحثون عنه، وعلى الفور تذكرت قصة العماني الذي ألقي القبض عليه في الهند قبل أسابيع وأودع السجن لكونهم قد عثروا على رصاصة في حقيبته، وتبادر إلى ذهني تحذير زوجي من توخي الحذر مع حقائبي، هل دس أحدهم رصاصة في حقيبتي؟ تم توجيهي إلى السوق الحرة التي كنت فيها قبل لحظات والتي اشتريت منها الهدايا، وما زلت محاطة بكل أولئك البشر، أمام ذهول رفيقاتي اللائي كن يحاولن الحصول على تفسير لما يجري، حينها فقط تذكرت الوجوه التي كانت تبعثر في حاجياتي، أنهن موظفات السوق الحرة، بادر أحد الباعة في السوق بسؤالي عن العطر الذي كنت أتفحصه قبل خروجي من المحل، فأشرت بيدي إلى حيث أعدت العطر، والذي اكتشفت بأنني وضعته في غير مكانه الصحيح، مما أوحى للبائعة بأنني (سرقته) فكانت سريعة في الإبلاغ عني، عدت أدراجي إلى حيث كانت المذيعة الجميلة (ماما كلثم) تنتظرني ورفيقة أخرى، وقد أثبتت لي الدكتورة كلثم في هذه الرحلة صدق المقولة الدارجة: تعرف فلان، نعم، سافرت معه، لا إذًا أنت لا تعرفه، وكيف أن امرأة ممكن أن تكون عن ألف رجل، فلن أنسى ما حييت موقفها البطولي وهي تدافع عني بشراسة، وتقف معي تلك الوقفة البطولية، لكنني هونت عليها الأمر وطلبت منها أن تتنحى جانبا وتترك لي الأمر فأنا كفيلة به، وإن كانت وبختني طويلا على (استسلامي) لكني حاولت أن أوضح لها قناعتي بعبارة (يا غريب كن أديب)، كنت واثقة بأن هناك خطأ ما أو اشتباه في الشخصية، لكن ما إن عرفت السبب حتى بطل العجب، فالبائعة جاءت من بيئة مختلفة تماما عن البيئة التي جئت منها، وفي بلد مثل الهند فالسرقة أمر شائع، ولا بد أن الرعب هو ما حرك أولئك البشر الذين طاردوني من أجل زجاجة عطر، فلا شك أنهم سيحاسبون على مثل هذا التقصير في حماية البضاعة التي عهدت إليهم، لم أتمالك نفسي من مقارنة هذا الوضع بوضع مماثل تعرضت له في إحدى رحلاتي لأوروبا، فقد نسي البائع أن يزيل الملصق من المحفظة التي اشتريتها من عُمان واستخدمتها في رحلتي، مما أدى إلى تفعيل جهاز الإنذار كل مرة كنت أدخل فيها محلا تجاريا، ووضعني الموضوع في حرج شديد، وفرغت حقيبتي مرات عدة لأعرف مصدر هذا الإنذار دون جدوى، وفي كل مرة كان موظفو الأمن والباعة يديرون وجوههم إلى الجهة الأخرى حتى لا يسببون لي الإحراج، رغم أنهم قد يكونون شكوا فعلا في أنني قد أكون دسست شيئا من بضاعتهم في حقيبتي، بعد أن فشلت في العثور على مصدر الإحراج هذا استعنت بموظفي المحل التالي الذي دخلته، والذين قاموا مشكورين بإبطال الشفرة التي كانت تصدر الصوت، كل يرى الناس بعين طبعه لا شك، وتلعب ثقافة الفرد دورا كبيرا في تعاملاته مع الآخرين، فكل سيعاملك فعلا حسب طبعه، لذا فأنت مطالب بأن تعامل الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم، وتحاول دائما أن تجد الأعذار للآخرين إن بدرت منهم إساءة في حقك، لأنهم لم يتربوا في أسرة مثل أسرتك مثلا، ولم يتم زرع هذه الأخلاقيات وأدب التعامل فيهم مثلك، فكن رحيما بمن أساء لك، فلا أحد يتعمد الإساءة للآخرين، وإنما هي ردة فعل، هي كل ما يعرفها البعض، لن يسبب لك الألم سوى شخص مليء به ففاقد الشيء لا يعطيه.
from ابداعات قلم http://ift.tt/1qIbwfT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق